تابعت بكل اهتمام قبل يومين، السيد محمد الحسن ولد الددو على قناة الرسالة في حلقة من برنامج " لقاء الجمعة ".. و كان كعادته يتكلم بفصاحة تعبر عن ذاكرة قوية، و هذه هي الأسباب التي جعلتني دوما أعتقد أنه يتميز عن حفاظ الكتب الصفراء الذين لا يملكون أي لقب علمي بل يتوارثون ألقابا عرفية مثل الشيخ والعلامة أو الفقيه .. إلا أن الخلفية المحظرية للرجل غلبت على ثقافته الشرقية المتخصصة،
حين تعلق الأمر بموقف الشرع من الاسترقاق في موريتانيا ، حيث تلعثم الشيخ و لأول مرة في رده على الأسئلة ، و بدا في الشق الاول من الإجابة سياسيا متحفظا ، يزن العبارات و يختار الزاوية التي يتناول منها الموضوع .. اختار أن يجيب على السؤال من خلال التركيز على ما قامت به الدولة و الذي يمثل إجماعا لعلماء بنافه ( الذين يفتون تحت الطلب) فذكر بما يعرفه الجميع و هو أن الدولة ألغت الرق منذ القدم .. و جرمته في قانون 2007 . لكن الصحفي يتضجر من الإجابة ويقول له:"لا أتكلم عن القوانين بل أسأل عن المسألة على أرض الواقع" .. و يبدو أن الصحفي يعرف أن أقوال الدولة و أفعالها مختلفة ! و بدى الصحفي الرايع وكأنه هو الموريتاني .. وكأن الضيف قادم من المريخ .. وهو أدرى من غيره بأن تلك القوانين التي تحدث عنها ليست إلا حبرا على ورق.. و يعرف أن القانون الأخير غير معمول به .. إذ لا يوجد في السجون الموريتانية اليوم سجين واحد طبق عليه هذا القانون على الرغم من تلبس الكثيرين بهذا الجرم .. ثم إن مجال القوانين اختصاص، له أهله .. أما الشيخ الفقيه فكان ينتظر منه تبيان شرع الله على ارض الله.. هل الرق شرعي أم لا ؟ و ما هي حالته في موريتانيا و ما موقفه منه ؟ و عندما أعاد الصحفي طرح السؤال مرة أخرى و ركز على أنه يسأله بوصفه موريتاني، تحاشى الشيخ الخوض في السؤال من الناحية الشرعية كما تحاشى الإعتراف بأن حالات من الرق لا غبار عليها أثيرت مؤخرا من طرف منظمات حقوقية ... و جاءت الطامة الكبرى عندما قال الصحفي إن رئيس تحريره كان قد أهدى له أحد الموريتانيين أمة ! يتعجل الشيخ في التملص من ذلك و لا يبدو متفاجئا و لا يشجب و لا يستنكر ..بل يضحك و يقول إنه شخصيا لم يهديه أحد أمة .. و يتخلص من الموضوع، ونبقى نحن على عطشنا.. ويخرج ملاك العبيد منتصرين مرة أخرى .. و لو بالباطل !
إننا نطالب ولد الددو، باسم كل لحراطين، كل الأرقاء والأرقاء السابقين، أن يراجع موقفه ويطالعنا بفتوى جريئة تعبر عما يناسبه من الورع والصدع بكلمة الحق، وأن يقول لنا إن الرق في موريتانيا شرعي وأدلته هي كذا وكذا .. ! أو أنه غير شرعي بالأدلة كذا وكذا.. !
لقد اتضح لي بدون كبير عناء أن مواقف علماء السكوت،كما أشار الشيخ الددو، مبررة بكون العبودية مثيرة للفتنة ..ونحن نقول له إن ما سيسبب الفتنة هو استمرار السكوت على هذا الجرم ..أن يبقى قوم محكوم عليهم بالدونية منذ المولد، وآخرون ورثوا العلا كابرا عن كابر! لقد خاب أملنا .. لقد عاتبنا أنفسنا و أغمدنا سيوفنا .. ومددنا يد الود إلى الإخوة في التواصل راجين كلمة حق تنهي معاناة الآلاف منا .. لم نحسب يوما أن ولد الددو سيطلع علينا بهذا الموقف السطحي الذي يرفض التعمق في القضايا المصيرية حفاظا على مصالح فئة ..!
لقد قرر علماء موريتانيا و فقهاؤها أن الدين الإسلامي دين عبودية، وأن الله خلق الناس ومكن بعضهم من رقاب بعض .. هذا ما يفهم من سكوت هؤلاء المشايخ،ولسان حالهم يقول للارقاء:"هذا هو قدركم .. فاختاروا لأنفسكم أي منقلب تنقلبون .. ؟"، فيما نتساءل نحن حيارى: ألم يهرب الموالي إلى الإسلام بحثا عن الحرية ؟ ألم يشتر الصحابة الأرقاء لتمكينهم من حريتهم؟.. ألم يكونوا صحابة أجلاء؟ ألم يصل الرسول في تربيته لصحابته إلى نقطة النهاية حين أمّـر أسامة بن زيد على كبار الصحابة، ليقول لهم بذلك إن الإسلام يجب ما قبله؟ و به يمكن لكل من أراد أن يبني مجدا.. ألم يحرم الرسول العبودية في حجة الوداع؟..
أما الرق في موريتانيا، الذي يبدو أن الشيخ اطلع على كل شيء ما عداه، فهو آت من السرقة والتجارة بأبناء الزنوج المسلمين أصلا...وكأي عمل همجي يكفي لإلغائه أن تقرره الدولة ـ فعلا لا قولا ـ كما حدث في الغرب ..
لكن المصيبة أن الدولة الموريتانية مبنية على الإسترقاق الذي أصبحت تصدره إلى الخليج والشام على شكل هدايا أو سلعة للبيع !
إن الشيء الذي يعجز فقهاء موريتانيا عن قوله هو أن وضعية الرق مربكة فعلا لأنهم أمامها يجدون أنفسهم بين أمرين أحلاهما مر ! إما الإعتراف بشرعية الرق وتقديم الدلائل على ذلك، و أي دلائل ، وهذا أمر لا يصدقه العقل البشري اليوم ..وإما الحكم على عدم شرعيته أصلا وذلك سيوقظ مسائل ومسائل يقوم عليها المجتمع الموريتاني .. كأن يصبح كل أبناء "الجواري" أبناء فجور ! كذلك سيفهم من ذلك زيف الدعاوي و التفاسير التي بني عليها الدين الإسلامي في نسخته المحلية المزورة !
إن الدين الإسلامي يحتاج إلى تجديد علمائه ( تجديد طبقة الفقهاء) حتى يقوى ويساير العصر فعلا .. لأنه دين حي، صالح لكل زمان ومكان، لكن الفقهاء ليسوا كذلك ! لم يعد من الوارد اليوم الإستشهاد بالكتب الصفراء، ولم نعد بحاجة إلى حـُـفاظ لان آلات التسجيل أصبحت متوفرة ومتطورة. إننا اليوم بحاجة إلى علماء بالمعنى الحقيقي للكلمة: يحملون شهادات عالية في الفيزيا و الفلك و الطب وعلم النفس و علم الأجنة و الأنتروبولوجيا و علم الحفريات .. على غرار الدكتور زغلول في دروسه حول الإعجاز في القرآن . و المهندس الرائع عدنان الرفاعي الذي بيّـن بكل وضوح،وبالعقل وحده، أنه يجب تدبر القرءان ونفي العصمة عن الصحابة و التابعين، و اعتبار الحديث ـ إذا ثبتت صحته ـ في الدرجة الثانية بعد كتاب الله .. و قد بين أن الدين بعيد كل البعد عن الاسترقاق ففسر عبارات مثل "ملك اليمين" و"تحرير رقبة" تفسيرا بعيدا كل البعد عما في الكتب الصفراء .. فبين أن "ملك اليمين" تعني الزوجة التي تختلف معك في الملة ، فالزواج قران المسلم و المسلمة أما قران المسلم مع غير المسلمة أو العكس فيسمى ملك اليمين. وأن "تحرير الرقبة" يعني إزالة هم أو ضنك عن مخلوق !
آن الأوان لكي نميط اللثام عن مسألة الرق ... لقد بنينا هذه الدولة على أكتافنا ولا نملك فيها اليوم إلا القليل، في
حين ان من لم يبذل أي جهد يملك الكثير.. اتركونا نمتلك على الأقل حريتنا
إننا ندعو كل الأرقاء إلى أن يهبوا من أجل انتزاع حقوقهم، فلم يعد يكفي البكاء و إظهار المعاناة .. فلا توجد آذان صاغية . كل ما في الأمر أن فئة قليلة من هذا المجتمع درجت على غبن الفئة الكبيرة و تهميشها و تجهيلها و معاملتها بكل مظاهر الاستعلاء. و يبدو أن المطالبة بالحقوق تساوي عند هؤلاء الدعوة للفتنة .. و نحن لا نرغب في الفتنة و لا نريدها لكننا لم نعد نطيق المزيد من الغبن و الاستهتار!؟ إذا كان النضال و الحراك الذي يقوم اليوم هو من أجل بناء مجتمع ديمقراطي عادل يساوي بين أبنائه في الحقوق و الواجبات فنحن جاهزون للمساهم في ذلك أما إذا كان من أجل تبديل رجل برجل و الإبقاء على الجوهر كما كان فنحن غير معنيين بهذا التحرك و سنحاربه كما نحارب نظام ولد عبد العزيز و لسان حانا يقول : ما أشبه الليلة بالبارحة . لقد أنر ولد الددو وجود الرق في مورتانيا تماما كما فعل ولد عبد العزيز ... فما الفرق بين العلم و الجاهل إذن إذا كان كل منهما يغطي الإسترقا ق و يحمي ممارسيه ؟ إن الفرق بينهما هو أن الجاهل المتغطرس لم يكن ينتظر منه سوى ذلك ! أما العالم فكان ينتظر منه فصل المقال في ما بين العبودية و الشريعة من الإتصال .. لكنه خيب الامال ... و النضال سوف يتواص على كل حال مهما كان المآل !
ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire