dimanche 14 août 2011

دفاعا عن الوحدة الوطنية أم عن ملاك العبيد؟


ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد
14 آب (أغسطس) 2011


نشر موقع "أقلام حرة" مقالا، أو مرافعة، للأستاذ محمدّن ولد "إشدّو" كان قد تقدم بها في محاكمة مشهودة من تلك المحاكمات التاريخية لـ"سنة ملف العبودية" هذه. ويتعلق الأمر بملف السيدات الثلاث اللواتي ضبطن في حالة تلبس بممارسة الاسترقاق من طرف من أسماهم الأستاذ "صيادي العبيد". وعلى الرغم من أنني حضرت المحاكمة وسمعت المرافعة، إلا أنني لم أكن أنوي الرد عليها لكي لا أخرجها من سياقها وغرضها ومحيطها: مرافعة لأحد أكلة لحوم البشر يحصل من خلالها على دراهم يزداد بها فسقا و ضلالا. لكن عندما تعمّد ولد إشدو كشف سوأته ونشر كذبه وتلبيسه ودسه وتزويره أمام الرأي العام وخارج محيط قصر "العدالة"، فإن الرد عليه أضحى مباحا، بل فرض عين على كل أبناء العبيد الرافضين لثقافة الصمت في دولة المليون كذاب..
لقد ركز ولد إشدّو على اختيار العبارات الجارحة لوصف الحقوقيين ـ كما تقدم ـ واتهمهم بالسعي إلى "تخريب النسيج الاجتماعي" واختار لنصه عنوانا غريبا على محتواه: "دفاعا عن الوحدة الوطنية"، إلا إذا كانت "الوحدة الوطنية" تعني عنده المحافظة على الهرمية الزائفة التي أراد هو وأمثاله من منظري الفكر الماركسي المالكي اللينيني الموريتاني أن يكون عليها هذا المجتمع المبني على الإقصاء والغبن والاستعلاء ولبوس الدين للمصالح الشخصية.
لقد وصف ولد إشدو أصحاب المنظمات الحقوقية بـ"صيادي العبيد" (تهكما منه بفيلم نبيل معروف)، ورغم ذلك فهو وصف لا ينطبق إلا عليه هو، وتاريخ الرجل زاخر بالأمثلة، و المرافعة المذكورة أعلاه برهان على ذلك.
لقد تعاملنا مع "الأستاذ" في الثمانينات ببراءة وحسن نية عندما حسبناه، آن ذاك، مدافعا عن العبيد ومناضلا حقوقيا. وأصبحت الملفات تحال إلى مكتبه تباعا، وبذلك حصل على ثروته قبل أن نكتشف وجهه الثاني الذي يتعامل به مع ملاك العبيد من ذوي الشوكة والمال، وكيف كان يكسب القضية من الطرفين ويتقاضى الأجر من الاثنين (المالك و المملوك على حد سواء).
ثم عن أي صيد يتحدث الأستاذ؟ لعله يذكرنا بالقناصة الموريتانيين الذين كانوا يصطادون العبيد ويبيعونهم في جنح الليل. وهي تجارة تمثل اليوم أساس غنى بعض المتنفذين من المشايخ والوجهاء ورؤساء القبائل. وهنا أذكـّره (وهو رغم الخرف غير ناس) بقصة امـّـينه التي باعتها أسرته لمحمد ولد احمد سالم ولد الميداح، ودخل بها الأخير(تمشيا مع نسخة الفقه المالكي التي فبركها الموريتانيون على مقاساتهم) وعندما مات حرمت الإرث لأنها عبدة، ولم يستطع رمز الكادحين التفوه بكلمة، وأسرّ الخبر إلى واحد ممن يسميهم اليوم بـ"صيادي العبيد".
ولكم نحن فخورون بهذا الوصف، ولكم هو واهمٌ ذلك الأستاذ إن حسب لحظة أن في هذا الوصف ما يخجلنا؛ فنحن وأمثالنا، وهو وأمثاله، كلنا نصطاد العبيد. فأما الفرق بيننا فهو أننا نحن نبحث عن العبيد لنحررهم ونعيد إليهم كرامتهم، وهم يبحثون عن العبيد لإبقائهم سرمدا في ربقة العبودية والحيف. وهنا أكتفي بمثالين اثنين، أولهما قضية امباركه بنت أساتين: فهي الآن تنعم بالحرية في بيت زوجها وقد حصلت على مسكن لائق و تتكفل منظمتنا، بمساعدة من بعض الخيرين، بدراسة ابنتيها اللتين كانتا متاعا عند بنات ابوه ولحريطاني. أما الثاني فهو سعيد ويرك الذين تم تحريرهما من عبودية أهل حاسين ـ رغم أنف الأستاذ وبالرغم من مرافعاته الغارقة في التخلف ـ وهما الآن يسكنان في بيت الرئيس بيرام حيث يدرسان القرآن (كلام الله الذي يُحرم منه العبيد) ويلعبان الكرة وينعمان بالحرية. إنها بعض مصطاداتنا . فليرنا الأستاذ فعلا محمودا واحدا فعله لصالح العبيد غير الكذب، والتشدق بالألفاظ البالية، والتيه في وديان الشعر البائد، واستحضار أرواح الأمثال البعيدة كل البعد عن الأصول البربرية؟
أما حرص الأستاذ على النسيج الاجتماعي، وعدم استنكاره لما يقوم عليه ذلك النسيج من اللاّعدل و اللاّمساواة الراجعة إلى المولد والحسب والنسب المشبوه، فهو يتناقض مع ما يتشدق به من ثورية و تقدمية يبدو أنها مجرد تصعيد لعقدة العروبة التي يعاني منها كل البربر القوميين، حينما كيّـفوا "دولة" على مقاسهم تحكمها الأقلية دون حياء ولا حتى مروءة. أما نحن فلا نريد أقل من تفكيك ذلك النسيج و بنائه على أسس علمية غير التي هو قائم عليها اليوم. فلا أحد يجهل أن الأحكام العسكرية المتعاقبة حتى اليوم حطمت صنم "الخيمه لكبيره" ولم تحتفظ لها إلا بحقها في التجسس للدولة وتمجيدها والتملق لها مقابل دراهم تحافظ بها على المكانة الوهمية التي تتمتع بها في الذاكرة التقليدية الجاهلة التي حصل من خلالها ولد إشدو على الشهادة (شهادة الزور) وعلى الوظيفة (وظيفة التملق). كيف لمن يصف نفسه بـ"التقدمي" أن يستشهد بالمتنبي الذي مدح سيف الدولة لحاجة في نفسه لم تتحقق، وهرب منه خوفا، ومدح كافور الإخشيدي لكي يجعل منه وزيرا وهو حلمه الوحيد، ثم هرب منه تحت جنح الظلام.. وهجاه بشعر "موريتاني" أصيل يحفظه كل الموريتانيين لما للعبودية من تجذر في ذاكرتهم الجماعية (وتعجبني رجلاك في النعل إنني+ رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا).
أما القول بأننا أصبحنا أحرارا و التراجع عن اندفاع الأمس ومحاربة العبودية فيستوجب منا ملاحظتين: الأولى أن نشر الأستاذ المتملق لهذه المرافعة، بعد المسرحية التي نسج محمد ولد عبد العزيز خيوطها، وبعد أن كشف عن وجهه الحقيقي بوصفه جنرال المستعبدين، إنما يريد من خلاله أن يلفت الانتباه إليه عله يعتبر قدوة ومرجعا كان قد سبق الرئيس وسار في مداره؛ فهو إذن في السياق العام لما قررت دولة المليون منافق أن تقول حول الرق. ولا يخفى على ولد إشدو نفسه أنه في هذه المرافعة فاق كل الشعراء في الكذب والدس والتزوير، وليس الرئيس سوى أحد الغاوين..
الثانية تكمن في ضرورة طرح سؤالين: ما هي هذه الحملة أو الجهد الذي قيم به منذ الاستقلال حتى الآن من أجل محو الرق، ناهيك عن الأشعار والمناشير السياسية؟ و في أي مكان أو زمان يتنازل البشر عن مجدهم وفخرهم دون ثورة؟ ثم عندما يتساءل ولد إشدو في مرافعته ـ التي يبدو معجبا بها و أصرّ على نشرها تزلفاـ عن دليل الاسترقاق في حالة النسوة، فأي نوع من الأدلة يريد؟ كيف يمكن إثبات حجة ضد مجتمع من الكذابة: القاضي يكذب، والمحامي لا ينجح إلا بالكذب، ورئيس الدولة يكذب. إذن كل من ضبط في حالة تلبس بممارسة الاسترقاق سينفي التهمة وسيساعده الحاكم والوالي والمفوض، والكل على دين الرئيس؟ وإذا ما استثنينا الأوبيرا التي يعزف فيها ولد إشدو غيثارة التملق لولد عبد العزيز، فالعبودية في موريتانيا واقع معيش تقوم الإرادة السياسية على نفيه. وهذا هو السبب الوحيد في عدم تجاوزه لأن التوبة لا تكون قبل الاعتراف بالذنب؟.. ثم إذا نحن جئنا بالبيـّـنة فإلى من نرفعها؟ أنرفعها إلى قضاء شكيمته الانبطاح وتاريخه كله تكريس لثقافة الإقطاعيين؟ أم نرفعها لشرطة باتت هراوة في يد كل الطغاة؟ أم نرفعها لإعلام تديره لوبيات المال والسلطة والقبيلة والعرق؟ أم نرفعها لإدارة لم تنجح يوما إلا في الغش والتزوير والظلم؟
أما المحاكمة (موضوع المرافعة) فلم يكن ينتظر منها أكثر مما حدث؛ فهي محاكمة من البيظان وإليهم: فالقاضي والمتهمين والمحامي والنيابة سواسية في الجرم؛ كلهم ملاك عبيد في الحاضر أو في الماضي أو هما معا. فكيف يمكن لمالك العبيد أن يحكم على شبيه له بنفس الجرم؟.. إنها محاكمة صورية نتائجها معروفة سلفا.. مثلها في ذلك مثل كل المحاكمات القادمة مادامت العدالة بيد الأقلية البربرية المسؤولة أصلا عن الرق والتي لا ترى مانعا في الكذب مادام يخدم سياسة الإفلات من العقاب التي أسس لها الجنرال خلال مسرحيته الأخيرة بإذن الله.
و في الختام أقول للأستاذ انه لو كان لدينا متحف للأفكار لوضعنا فيه هرطقاته لأنها لا تصلح إلا للسياحة (فقراءته لواقع البلاد شوفينية ومتخلفة وهدامة). كما نقول له إننا لسنا في دولة، وليس لنا مجتمع، وأن النسيج الاجتماعي أصلا متصدع لأنه مبني على الزور والبهتان، وأن الكلام الذي يردد زبد وثقافة القشور التي يساند بها و يعارض في نفس الوقت لا يمكن أن تحول دون إحقاق الحق، أما دولة العنصرية التي ينظـّـر لها فسوف تختفي عما قريب وهو وعد من الله لن يخلفه: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين". و قد بدأت معالم تلك الدولة تظهر وبدأ الزيف يتكشف؛ فستنجح الثورة في شمال افريقيا (موريتانيا) مثلما نجحت في جنوبها. والتشبيه وارد بكل المقاييس، إلا أن البيض في جنوب إفريقيا أصدق وأنبل من ملاك العبيد وعبدة الدراهم هنا.
إننا في مشروعنا هذا نفضل بكثير إسرائيل على منظري دولة الاستعباد إذ لم يعمد اليهود إلى إقصاء العرب الفلسطينيين من لكنيست. أما نحن (لحراطين)ـ على الرغم من أننا نمثل أكثر من 50% من مجموع السكان ـ فمقصيون من المدرسة العسكرية ومن قصر العدالة ومن الوفد المرافق للرئيس ومن ضيوف التلفزيون العنصرية ومن اللجنة المشرفة على الإحصاء واللاّئحة طويلة .. فعن أي نسيج اجتماعي تتكلم يا محامي ملاك العبيد؟ لقد نتف رئيس الدولة آخر بصمة أمل عندما أنكر أي وجود للرق وبدا من الواضح أن النظام القائم لا يبحث عن حلول لهذا الداء السرطاني الفتاك، بل يكتفي بنكرانه كما كانت تفعل سائر الأحكام العسكرية التي نظـّر لها القوميون العرب منذ 1978 و حتى اليوم.
فاحملْ غيثارتك أيها الأستاذ بعيدا عن ملف العبودية، فكم هي كثيرة مراتع التزلف والنفاق بعيدا عن موضوع حساس ومؤلم وغير قابل للمساومة. إنه حق نتشبث به مثلما تتشبث أنت بالدفاع عن سلطان جائر، ومثلما تتشبث بتفكيرك المتخلف والميت سريريا.
انواكشوط في 13/08/2011
*قيادي في التيار الإنعتاقي (أحد صيادي العبيد)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire